شام تايمز – متابعة
“محمد خليفة” (31 عاماً) شاب أردني تمت زراعة قلب في جسده، وبعدها لاحظ تغيرات غريبة؛ إذ أصبح يفضل القهوة السادة ويحب الكشري، وتبين أن المرحومة صاحبة القلب كانت تحب الشيء نفسه.
وتبدلت على “محمد خليفة” المشاعر والرغبات لتصبح مزيجاً من العواطف، بعد أن عاش داخل جسده قلبان مختلفان. قصة “محمد” ليست من الخيال، ولكن لا تدعمها الحقائق العلمية بشكل واضح، وإن كانت هناك دراسات حول الموضوع.
وتشير دراسة نشرت في مجلة “ميديكال هايبوثيسيس” (Medical Hypotheses) عام 2020 لـ”ميتشل بي ليستر” إلى أن هناك تغييرات في الشخصية بعد زراعة القلب قد تحدث، والتي تم الإبلاغ عنها منذ عقود، مثل:
- التغيرات في التفضيلات.
- التغيرات في المشاعر والمزاج.
- ذكريات من حياة المتبرع.
وقالت الدراسة إنه يُفترض أن اكتساب خصائص شخصية المتبرع من قبل المزروع له القلب يحدث عن طريق نقل الذاكرة الخلوية، وتشمل أنواعا من الذاكرة الخلوية والذاكرة اللاجينية، وذاكرة الحمض النووي، وذاكرة الحمض النووي الريبي، وذاكرة البروتين. كما توجد احتمالات أخرى مثل نقل الذاكرة عبر الذاكرة العصبية داخل القلب والذاكرة النشطة.
أداء عضلة القلب لديه لا يزيد على 10%
بدأت القصة عام 2013 عندما كان خليفة يعمل موظفاً بإحدى الشركات في المملكة، وتعرض لحالة اختناق وغيبوبة استمرت 10 ساعات، فأظهر التشخيص الطبي أنه يُعاني من انسداد في الشريان التاجي وتجمع سوائل على الرئة؛ جراء ضعف عضلة القلب.
وإثر ذلك، أمضى الشاب الأردني عدة أيام تحت العلاج في مستشفى “الأمير حمزة” بالعاصمة عمان (حكومي)، ثم نُقل إلى مركز القلب في المدينة الطبية (مستشفى عسكري)، ومكث هناك 24 يوما.
بعد ذلك خرج خليفة من المستشفى، وكان أداء عضلة القلب لديه لا يزيد على 10%، وسط محاذير طبية تدعو إلى الابتعاد عن الجهد والضغوط والأطعمة المالحة، والالتزام بـ6 أقراص دوائية صباحاً ومساءً.
يصمت قليلاً ، وهو يتحدث وفقاً لوكالة “الأناضول”، ثم يعاود الكلام كأنه لا يريد أن ينسى أي تفصيل من تجربة حياتية مريرة مرت عليه، وعيون والده (موفق خليفة) ترقبانه بكل عناية وحنان.
ويوضح “محمد” أنه واجه تحدياً كبيراً عام 2014، عندما أراد أن يثبت أنه إنسان طبيعي رغم مرضه، إذ كان يصر على مرافقة أصدقائه في رحلات المسير إلى المناطق الجبلية والأثرية.
وأدى ذلك إلى تدهور صحته، فعاد إلى المستشفى، وخرج منها بالتحذيرات الطبية السابقة ذاتها، وفي مقدمتها عدم الإجهاد والتعب.
“تعقدت نفسيتي وزادت اضطراباتي، وكنت من شدة اليأس أُكثر من التدخين؛ لفقد الأمل في أنني سأحصل على علاج”، بهذه الكلمات المعتصرة بالألم يضيف خليفة. وتابع “نتيجة لذلك، حاول أهلي إخراجي من حالتي النفسية، فالتحقت بدورة تدريسية للتصميم المطبعي والإنتاج التلفزيوني، وبدأت بعدها العمل”.
وأشار إلى أن “الضغط النفسي أدى إلى ارتفاع نسبة السوائل على الرئة، ودخلت في حالة طارئة، وتوقع الأطباء أنني لن أعيش كثيراً ، وقالوا إنني بحاجة إلى زراعة قلب”.
اشتدت الأزمة على محمد، وفي مطلع سبتمبر/أيلول 2018، قرر أن يغادر بيت ذويه للإقامة عند أحد أصدقائه، ولكنه عاد بعد 5 أيام.
صلاة ومناجاة
وفور عودته، توضأ صاحب القصة، وصلى ليخلو إلى ربه ويناجيه “لجأت إلى ربي، وبكيت كثيراً وأنا ساجد، ودعوته من شدة ألمي أن يأخذني له أو أن يعالجني، ثم قرأت سورة الملك، وذهبت إلى غرفتي”.
وتابع محمد “بعد ذلك بنصف ساعة كانت المعجزة؛ إذ ورد اتصال لأبي من طبيبي المعالج والمشرف على حالتي الدكتور” رازي أبو عنزة” ، ليقول إنه توفر متبرع بالقلب وهو جاهز”.
ويضيف “رغم رفض أمي فإنني ذهبت فوراً ، وكانت معنوياتي عالية جداً، وأمسكت بأيدي أبي وأمي، وأضحكتهم كثيراً، وأنا أدرك أنهما يبكيان من الداخل”.
ويستدرك “وصل القلب إلى المستشفى عبر موكب؛ سيارة أمام الإسعاف وأخرى من خلفه؛ وذلك لتأمين وصوله بالسرعة الممكنة؛ لأن القلب يتوقف عن النبض بعد 12 ساعة”.
ويلفت إلى أن “العملية الجراحية استمرت ساعتين ونصف الساعة، وشارك فيها عدد كبير من الأطباء”.
ويردف “عندما خرجت من العملية، أول ما طلبته هو رؤية أمي وكوب ماء، وبكيت كثيراً عندما شربت؛ لأنني شعرت بأن الماء يدخل جسمي كاملاً، بعدما كنت أشربه قبل العملية بصعوبة”.
ويستطرد “بقيت في المستشفى 4 أشهر تحت المراقبة، من دون ملامسة أحد؛ خوفاً من التقاط أي فيروسات، لأن مناعتي كانت منخفضة، ومكثت المدة ذاتها في البيت بالإجراءات عينها”.
ويقول متأثراً”عرفت المتبرع بعد العملية، وهي معلمة لغة إنجليزية توفيت عن عمر 38 سنة، نتيجة مرض دماغي، ولها شقيقة توأم”.
وبأسلوب مشوّق وسرد كرواية مصوّرة، يُشير إلى وجود تفاصيل مهمة في قصته، قائلا “لم أكن أشرب القهوة وبعد العملية صرت أشربها، وطلبت من أبي أن يحضر لي الكشري”.
لم يهتم محمد بتلك التغيرات، لكنه كان مهتما بالتعرف إلى ذوي المتبرعة، مؤكدا أنه شعر بارتياح غير مسبوق فور الوصول إلى مكان سكنهم.
ويقول “عندما دخلت والتقيت والدتها شعرت بلهفة الأم، ولم تكن شقيقتها التوأم وصلت ولم تكن تعلم بوجودنا، ولكنها قالت إنها شعرت بوجود شخص قريب منها في البيت”.
الكشري والقهوة السادة
وعندما تحدثوا عن ابنتهم المتبرعة، ذكروا أنها كانت تحب الكشري والقهوة السادة، وهنا راح” محمد” يفكر بالتحولات التي حدثت له بعد عملية زرع القلب.
وعقب تلك الزيارة، تحول خليفة إلى فرد من عائلة المتبرعة، فهو يعيش بقلب ابنتهم رغم اختلاف الجسد، مشدداً على أن ما كان يشعر به ويمر به من مواقف لم يكن مثبتاً علمياً، في إشارة إلى اشتراكه مع مشاعر الفتاة المرحومة وما كان في قلبها.
ففي موقف غريب مر به، يقول “محمد” إنه خرج ذات يوم مع زوج شقيقته الذي يعمل مديراً للأنشطة لتنظيم برنامج معين في إحدى المدارس، ولكنه أشار إلى أنه دخل في نوبة بكاء شديدة، وانهيار عام في جسده من دون سبب، ليتبين لاحقًا أن المدرسة التي دخلها هي مدرسة المتبرعة نفسها.