في مؤتمر طبي بمدينة ديربان بجنوب إفريقيا عرض الباحثون مؤخرا أحدث نتائج دراسة يجرونها بهدف تطوير لقاح ضد مرض الملاريا وخفض عدد وفيات الأطفال إلى النصف. وشاركت في المؤتمر مراكز أبحاث طبية من سبع دول إفريقية.
يشكل الغابون، البلد الواقع غرب وسط إفريقيا الذي يصاب فيه كل طفل بالملاريا مرة واحدة كل سنة بالمتوسط، مكانا مثاليا للباحثين لاختبار لقاح جديد ضد الملاريا بهدف خفض عدد حالات الإصابات وحالات الوفاة بسبب هذا المرض إلى النصف.
وفي تجربة ميدانية تعد الأكبر من نوعها حتى الآن للبحث عن لقاح ضد الملاريا يتعاون أحد عشر مركز من مراكز البحوث الطبية من الغابون وموزمبيق وتنزانيا وغانا وكينيا ومالاوي وبوركينا فاسو من أجل تحقيق هدف مشترك: وهو تطوير لقاح يسمى آر تي إس إس “RTSS”. ويريد الباحثون من خلاله الحد من وفيات الأطفال بمستوى النصف. ولذلك فهم يقومون منذ عام 2009 بالمرحلة النهائية في التجربة السريرية لاختبار هذا العقار، الذي قاموا بتلقيحه لحوالي 16 ألف طفل منذ ذلك الحين.
أمل في الأفق
أحد أكبر المراكز البحثية المشاركة في هذا البحث العلمي هو مستشفى ألبرت شفايتزر في مدينة لامبارينيه وسط الغابون. ويعيش الباحثون ويعملون هناك بشكل وثيق مع المرضى المصابين في المنطقة، التي يسري فيها نهر أوغويه، حيث توجد أشجار وأحراش ومناخ رطب وحار وغابات مطيرة، غير أن أزيز الذبابة المتسببة في الإصابة بالملاريا يعكر صفوة الحياة في المنطقة الغنية بالطبيعة.
“أكثر ما يحزنني هو أن الكثير من الناس يلقون مصرعهم بسبب هذا المرض”، كما يقول الباحث ماكسيم سيليدجي أغناندجي، “فحوالي 600 ألف طفل يلقون حتفهم في جميع أنحاء العالم كل عام بسبب مرض الملاريا”. ويضيف: “اللقاح قد يخفض عدد المرضى إلى النصف وبالتالي سيمكننا ذلك من إنقاذ 300 ألف طفل من هذا المرض”. ويرى ماكسيم أن هذا اللقاح خطوة هائلة إلى الأمام حتى وإن كانت نجاعة علاجه لا تصل إلى 100 في المائة كما هو الأمر بالنسبة لكثير من اللقاحات ضد أمراض أخرى.
حماية غير كافية
ويصل هذا الدواء الواقي أكبر مستويات الفعالية عند تلقيح الأطفال الرُّضَّع والذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 17 شهرا. أما مستوى تأثيره على الأطفال الرضع البالغة أعمارهم بين 6 أسابيع و 12 أسبوعا فيبلغ 30 في المئة فقط.
وبعد نهاية هذه الدراسة البحثية ستقوم منظمة الصحة العالمية WHO بتقديم توصيات باعتماد هذا العلاج كلقاح ضد الملاريا وبعد ذلك سيدخل اللقاح في إجراءات السماح به واعتماده في كل بلد على حدة. ويأمل الباحثون في أن يتم عرضه في الأسواق بكميات تجارية اعتبارا من مطلع عام 2015.
ولكن إلى حين ذلك يلزم على سكان المناطق الموبوءة بالملاريا مكافحة هذا المرض عبر اتخاذ التدابير الوقائية: كالنوم تحت الناموسيات الواقية أو رش منازلهم بمبيدات الحشرات. “كما أن التشخيص المبكر لمرض الملاريا هو أمر حاسم في العلاج”، كما يقول برتراند لِيل، مدير مركز الأبحاث.
يقول الطبيب الباحث ماكسيم سيليدجي أغناندجي إن اللقاح الجديد لا يمكنه شفاء كل أمراض الملاريا
حلم قد يتحقق
وتقوم شركة غلاكسو سميث كلاين البريطانية بتطوير لقاح آر تي إس إس منذ الثمانينيات بالتعاون مع مركز الأبحاث التابع لمستشفى والتر ريد العسكري في العاصمة الأمريكية واشنطن. ويقول الطبيب أوينس بيتوك الباحث في معهد دراسات علم البيئة الاستوائية في الغابون إن”تطوير اللقاح صعب لأن بينة طفيل الملاريا، واسمه البلازموديوم، أكثر تعقيدا من الفيروسات أو البكتيريا”، ويضيف: “حتى إلى وقت قريب كان من شبه المستحيل أن نعرف مدى الاستجابة المناعية للإنسان ضد للملاريا “. فطفيل الملاريا قادر على التكيف بسرعة وعلى تحصين نفسه من اللقاحات. وتأمل الشركة بالتعاون مع مراكز الأبحاث في إفريقيا التوصل إلى جيل جديد من هذا اللقاح يكون أقوى فعالية.